د. أيمن النحـــراوي
أستاذ الإقتصاد الدولي واللوجيستيات
الحديث عن مضيق باب المندب يعني مباشرة الحديث عن المدخل الجنوبي لقناة السويس، وهو أمر لا يتعلق بدولة بمفردها، أو بمنطقة إقليمية محددة، بل يتجاوز الأمر ذلك لأبعاد وتداعيات دولية، فمضيق باب المندب تعبره سنوياً من وإلى قناة السويس 18 ألف سفينة تحمل التجارة الدولية، لذلك فالبحر الأحمر عند باب المندب هو مضيق ملاحي عالمي تتعلق به مصالح العديد من الدول والشركات الكبرى في كل أنحاء العالم.
مع تفاقم الأمور وفي ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على غزة، قام الحوثيون باحتجاز إحدى سفن ناقلات السيارات المملوكة لأحد رجال الأعمال الإسرائيليين، ولم يمر وقت طويل حتى تم استهداف ناقلة نفط نرويجية ثم استهداف إحدى سفن الحاويات لشركة ميرسك دانماركية كبرى، وسفينة حاويات أخرى لشركة هاباج لويد الألمانية.
أياً يكن أسباب أو دوافع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق باليمن وحدها أو إسرائيل، فمضيق باب المندب هو ممر ملاحي دولي، وليست اليمن هي الدولة الوحيدة المطلة عليه، فجيبوتي أيضاً تطل على المضيق وهي مقر لعدة قواعد عسكرية بحرية لعدة دول متباينة التوجهات والمصالح، وإن كانت تتفق جميعاً على حجة ضمان أمن وسلامة الملاحة عبر المضيق.

الرؤية الاستراتيجية الأمريكية
الرؤية الاستراتيجية الأمريكية وقاعدتها معسكر ليمونيه في جيبوتي تقوم على توفير الإمدادات اللوجيستية للسفن البحرية الأمريكية وقوات المارينز والتدخل السريع، وفي ذات الإطار فإن القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي تضم عناصر من القوات الجوية والبحرية والبرية بمعداتها الثقيلة، أما القاعدة العسكرية الصينية فتضم ثكنات عسكرية ومهابط للهليكوبتر ومستودعات للطائرات الموجهة بدون طيار، وتسهيلات بحرية للسفن الحربية، فضلاً عن إدارة الصين لميناء دوراليه.
أيضاً توجد في جيبوتي القاعدة العسكرية اليابانية وهي أول قاعدة عسكرية خارجية لليابان، وتضم تسهيلات للطائرات وخفر السواحل، ثم القاعدة العسكرية الإسبانية وهي موجودة في إطار دعم عملية أطلانطا التابعة للاتحاد الأوروبي، حيث تشارك بنشر طائرات دورية بحرية واستطلاع، ثم القاعدة العسكرية الإيطالية وهدفها دعم النشاط البحري الإيطالي في المنطقة وحماية السفن التجارية وتتبع أيضاً عملية أطلانطا.
على الجانب الآخر، الحوثيون المدعومون بالفعل من إيران بالسلاح والخبرة التكنولوجية والمعلومات الاستخبارية، بالإضافة لذلك يمكنهم تطوير منظومات الصواريخ الموجودة لديهم وتعديل أنظمة الملاحة والتوجيه لها، وقد يكونوا قد حصلوا على النسخة الأحدث للطائرة الإيرانية المسيرة “شاهد-136” التي تم تطويرها مؤخراً برأس باحث كهروضوئي، مما يجعلها قادرة على البحث عن الأهداف المتحركة ومهاجمتها بدقة، هذا فضلاً عما هو متاح لديهم من صواريخ وتوربيدات وألغام بحرية، مما يعطي للأحداث عند باب المندب بعداً أخطر وأبعد مدى.
لكن الحوثيون ليسوا وحدهم في باب المندب، فعلى مرمى حجر منهم تتواجد قوات ضاربة لعدة دول في جيبوتي لحماية مصالحها في شرق أفريقيا وبحر العرب وخليج عدن، ولكل منها مخططاتها وسياساتها بشأن تلك المنطقة الحساسة، وفي ذات الوقت فإن الحجة القائمة والمشروعة لوجودها جميعاً هي حماية وتأمين حركة الملاحة الدولية.

السؤال الجوهري الذي يجب طرحه
والسؤال الجوهري الذي يجب طرحه هو هل سيؤدي إحتجاز الحوثيين لسفينة ما أو قصف سفينة أخرى لتحقيق مطلبهم بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة وإمدادها بالمؤن والمياه !؟ واقع الأمر يقول عكس ذلك، فالقدر الأكبر من المساعدات والدعم لإسرائيل يأتي أساساً من الولايات المتحدة وأوروبا عن طريق الموانئ على البحر المتوسط وعن طريق النقل الجوي كذلك، وبالتالي فتأثير هجمات الحوثيين على السفن لم يحدث حتى الآن سوى تأثير محدود على حركة النقل والتجارة من وإلى إسرائيل بتأثير محدود على ميناء إيلات.
ومن جهة أخرى، أسفرت تلك الهجمات عن تحويل جانب من الأضواء والاهتمام العالمي عن الأحداث الجسيمة في قطاع غزة والجرائم الإسرائيلية اليومية هناك، وإظهار أن إسرائيل تقاتل على عدة جبهات من أطراف متعددة، كذلك تسببت الهجمات في استعداء الدول المالكة للسفن مثل النرويج والدنمارك وسويسرا وألمانيا، وكذلك استعداء الدول المتأثرة سلبياً من تداعيات الأحداث في باب المندب على مصالحها الملاحية والتجارية الدولية.
أما الولايات المتحدة فقد تبدت لها الفرصة سانحة فأعلنت عزمها على تشكيل قوة ردع دولية في البحر الأحمر، ستشارك فيها 39 دولة بقوات بحرية كبيرة، من ضمنها 35 سفينة حربية وطائرات مسيّرة، وأعلنت أن 27 دولة قد وافقت حتى الآن على الإنضمام لهذه القوة، والمعلن بشأنها أنها تشكلت لحماية قواعد القانون الدولي بشأن الممرات الملاحية الدولية، والتي تم انتهاكها كما تعلن الولايات المتحدة وحلفائها بواسطة الحوثيين.












