«نايت فرانك»: ارتفاع الأسعار وتكاليف التمويل يعرقلان شراء المساكن في السعودية

تستهدف السعودية عبر حزمة من الإجراءات والمحفزات استقطاب المزيد من الاستثمار الأجنبي للقطاع العقاري، الذي يعد من القطاعات الحيوية والركائز الأساسية في اقتصاد البلاد، وقد شهد القطاع تطورًا ملحوظًا خلال العقود الماضية، مدفوعًا بالنمو السكاني والاقتصادي، فضلًا عن المبادرات الحكومية لدعم التنمية المستدامة والتوسع في البنية التحتية.

لكن سوق العقارات السكنية في المملكة تواجه حاليًا تحديات متزايدة، حيث أدت الأسعار المرتفعة وتكاليف الاقتراض العالية إلى تراجع الإقبال على تملك المساكن، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن شركة الاستشارات العقارية “نايت فرانك”.

وتدعم الحكومة السعودية القطاع من خلال مبادرات مختلفة، منها برنامج سكني التابع لوزارة الإسكان والذي يسهم في تلبية الطلب على الرهن العقاري من السعوديين، بينما يوفر صندوق التنمية العقارية قروضًا عقارية وضمانات رهن عقاري بدون فوائد.

وقالت “نايت فرانك”، استنادًا إلى مسح شمل أكثر من ألف أسرة، إن نسبة المشترين لأول مرة الذين يتطلعون لشراء منزل تراجعت حاليًا إلى 29% مقارنة مع 40% في عام 2023، حيث يعتقد العديد من مشتري المنازل أن الأسعار مرتفعة للغاية، وأنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للادخار، ويرغبون في خيارات تمويل أكثر تنوعًا.

وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، ارتفعت أسعار العقارات في السعودية خلال الربع الرابع من عام 2024 بأسرع وتيرة منذ منتصف عام 2023، مسجلة بذلك نموها للفصل الـ16 على التوالي، مدفوعة باستمرار القطاعين السكني والتجاري في تسجيل قفزات سعرية.

ارتفع مؤشر أسعار العقارات في المملكة بنسبة 3.6% في الربع الرابع من عام 2024 على أساس سنوي، مسجلًا بذلك أعلى وتيرة نمو ربعي في 6 فصول، وتحديدًا منذ الربع الثاني من عام 2023.

وفيما يتعلق بأداء المؤشر عن عام 2024 بأكلمه، فقد سجل متوسط بنسبة 2.3%، انخفاضًا من متوسط نمو بنسبة 4.8% في عام 2023، ونمو بلغ 12.7% في عام 2022.

تشير “نايت فرانك” في تقريرها إلى أنه خلال العام الماضي، ارتفعت أسعار الشقق في العاصمة الرياض بنحو 11% إلى ما يعادل حوالي 1500 دولار للمتر المربع.

وتضخ الحكومة السعودية استثمارات بكثافة ملحوظة في بناء المساكن خلال السنوات الأخيرة، في إطار سعيها لاستيعاب النمو السكاني المتزايد ورفع معدلات تملك المواطنين للسكن إلى 70%.

تقدّر شركة “نايت فرانك” أن المملكة تحتاج إلى بناء 115 ألف منزل سنويًا على مدى السنوات الست المقبلة لتلبية الطلب، لكنها حذّرت من أن المعروض في السوق لا يتطابق مع توقعات المشترين الفعلية.

وتظل القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق رئيسي، كون ميزانيات أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط لا تغطي متوسط أسعار المنازل، قد يتمكن أصحاب الدخل المرتفع من تحمل أسعار المساكن الجديدة، لكن هذه الفئة من السكان السعوديين تظل صغيرة نسبيًا، وفقًا للشركة.

ويرى فيصل دوراني، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى شركة نايت فرانك، أن جوهر المسألة يكمن في عدم التوافق بين توقعات المشترين والأسعار الحالية أو الواقع في السوق.

وأضاف، “يوجد خطر حقيقي يتمثل في فائض المعروض من المساكن الفاخرة بالمملكة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما لم يتم تحديد مصادر جديدة للطلب أو استقطابها، وعلى وجه الخصوص، الطلب من المشترين الدوليين”.

وضمن مستهدفات “رؤية السعودية 2030″، من المتوقع تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية و320 ألف غرفة فندقية و5.3 مليون متر مربع من مساحات التجزئة و6.1 مليون متر مربع من المساحات المكتبية الجديدة بنهاية العقد الجاري.

تتوقع “نايت فرانك” أن يؤدي التغيير المرتقب في قوانين تملك الأجانب إلى تمهيد الطريق أمام تدفق الاستثمارات من الخارج في بعض المنازل الفاخرة الجديدة لدى المملكة العربية السعودية.

في الوقت الحالي، يمكن للأجانب الحصول على إقامة في السعودية طويلة الأجل من خلال استثمار 4 ملايين ريال (1.1 مليون دولار) في العقارات السكنية.

وتقول “نايت فرانك” إنه رغم أن مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة استقطبتا اهتمامًا كبيرًا فيما يتعلق بملكية العقارات، إلا أن العاصمة الرياض تظل الوجهة الأكثر طلبًا للعيش في المملكة.

وشهدت الرياض أسرع وتيرة لنمو الأسعار، حيث ارتفعت تكلفة الفيلا في فيها بأكثر من 6% إلى نحو 1400 دولار للمتر المربع خلال العام الماضي، كما تشهد العاصمة أيضًا تحولًا نحو الطلب على الإيجار مقابل التملك مع تزايد انتقال العمالة الأجنبية وهجرة الشباب السعوديين من مناطق أخرى داخل المملكة.

ويرى دوراني أن سوق البناء بغرض التأجير توفر فرص نمو هائلة للمطورين، مضيفًا “توفير خيارات شراء أكثر بأسعار معقولة سيكون عاملًا حاسمًا في تلبية الطلب، التحدي لا يتعلق بعدم وجود الطلب في السوق السعودية، بل أننا لا نبني حاليًا المنتج الذي يتوافق مع الطلب الحالي”.

لسماع المقالة صوتيا اضغط هنا