يُظهر الاقتصاد العالمي في عام 2025 صورة معقدة تجمع بين المرونة النسبية في مواجهة الصدمات وتزايد حالة عدم اليقين الناتجة عن التوترات الجيوسياسية، والسياسات التجارية الحمائية، والتضخم.
تُشير توقعات المؤسسات المالية الدولية الكبرى، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، إلى تباطؤ في النمو العالمي، لكن بوتيرة مختلفة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية.
توقعات النمو في 2025: تباطؤ دون المتوسط التاريخي
تتفق معظم التقديرات على أن النمو الاقتصادي العالمي في عام 2025 سيكون أقل من المتوسطات التاريخية التي سجلت قبل جائحة كوفيد-19.
- صندوق النقد الدولي: يتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.3% في عامي 2025 و2026، وهو أقل من المتوسط التاريخي البالغ 3.7% (في الفترة 2000-2019). وقد خفّض الصندوق توقعاته للنمو العالمي إلى 2.8% في أبريل 2025، وذلك بسبب تصاعد الحمائية التجارية.
- البنك الدولي: يرى أن النمو العالمي سيتراجع إلى 2.3% في 2025، قبل أن يستقر عند 2.5% في 2026-2027.
- الأونكتاد: تتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.3% في 2025، عازية ذلك إلى التوتر التجاري وحالة الضبابية التي قد تدفع باتجاه الركود.
- الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية: تُعتبر هذه الأسواق المحرك الرئيسي للنمو العالمي، حيث يُتوقع أن تسجل نموًا بنحو 3.7% في 2025، مدعومة بالاستثمار القوي وقوة أسواق العمل في بعض الدول.
- الاقتصادات المتقدمة: يُتوقع أن ينخفض نموها إلى 1.4% في 2025، مع تباطؤ حاد في الولايات المتحدة إلى 1.6% (وفق تقديرات البنك الدولي) أو 1.8% (وفق صندوق النقد الدولي).
تحديات رئيسية تواجه الاقتصاد العالمي في 2025
تُلقي عدة عوامل بظلالها على المشهد الاقتصادي العالمي، مما يُزيد من حالة عدم اليقين:
-
الحمائية التجارية والحروب التجارية:
- “أمريكا أولًا”: تُثير السياسات الحمائية، خاصة مع احتمال عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مخاوف من تصعيد الحروب التجارية. فرض رسوم جمركية عالية على سلع محددة، لا سيما من الصين، يمكن أن يؤدي إلى تدابير انتقامية تُلحق ضررًا كبيرًا بالتجارة العالمية.
- تأثير على التضخم: التدابير الانتقامية قد ترفع أسعار المواد والسلع الوسيطة التي يصعب إحلالها، مما يؤدي إلى زيادة التضخم الكلي.
-
التضخم وأسعار الفائدة:
- ضغوط تضخمية مستمرة: على الرغم من تباطؤ التضخم العالمي، لا تزال هناك جيوب من التضخم المرتفع، خاصة في الخدمات بالدول المتقدمة.
- سياسات البنوك المركزية: قد تدفع مخاطر تجدد الضغوط التضخمية البنوك المركزية إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، أو حتى رفعها مجددًا، مما يزيد من الفجوة بين السياسات النقدية وقد يُبطئ النمو.
-
الاضطرابات الجيوسياسية:
- الصراعات الإقليمية: التوترات في الشرق الأوسط (مثل تداعيات الأزمة في البحر الأحمر) والصراع في أوكرانيا تُعطل سلاسل الإمداد، وتُرفع تكاليف الطاقة والشحن، وتُقلل من ثقة المستثمرين.
- مخاطر واسعة: تؤثر هذه الاضطرابات على أسعار السلع الأساسية (النفط، الغذاء)، وتُثير مخاوف الركود، وتُضعف التنسيق الدولي.
-
ارتفاع مستويات الدين:
- العديد من الدول، وخاصة الاقتصادات النامية، تواجه تحديات كبيرة بسبب ارتفاع مستويات الدين، مما يُقيد قدرتها على الاستثمار ويُعرضها لمخاطر مالية.
-
التغيرات الديموغرافية وتأثيرها:
- الشيخوخة السكانية في بعض الاقتصادات المتقدمة، والتفاوتات بين الجنسين، وقضايا الهجرة، كلها عوامل ديموغرافية تؤثر على النمو متوسط المدى، وتتطلب سياسات داعمة.
التوصيات لتعزيز الاستقرار والنمو
تُشدد المؤسسات الدولية على ضرورة تبني سياسات حكيمة لمواجهة هذه التحديات:
- السياسة النقدية: يجب أن تظل مُركزة على تحقيق استقرار الأسعار، مع مرونة في سعر الصرف لتجنب التقلبات المفرطة.
- السياسة المالية: ينبغي أن تهدف إلى ضبط مالي متوسط الأجل موثوق به لإعادة بناء الحيز المالي وتقليل الديون.
- الإصلاحات الهيكلية: تُعد ضرورية لإحياء نمو الإنتاجية، خاصة في مجالات مثل التعليم، سوق العمل، والاستثمار في البنية التحتية.
- التعاون متعدد الأطراف: يُصبح حتميًا للحد من التجزئة الاقتصادية، وتعزيز استقرار النظام التجاري العالمي، ومواجهة التحديات المشتركة مثل تغير المناخ.
يُشكل عام 2025 فترة دقيقة للاقتصاد العالمي، تتطلب من صانعي السياسات تبني نهج حذر ومتوازن لضمان الاستقرار وتحقيق النمو المستدام في ظل بيئة متقلبة.