كشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري عن تفاصيل حالة الاقتصاد العالمي خلال عام 2025، واصفًا إياها بـ “مرحلة شديدة التقلب”.
جاء ذلك بناءً على استعراض أبرز التقارير الدولية الصادرة عن وكالات مرموقة مثل فيتش وبلومبرج، والبنك الدولي، والأونكتاد، التي تقدم قراءات دقيقة ومتكاملة للمشهد التجاري العالمي الراهن وتكشف عن ملامح مرحلة جديدة في مسار التجارة العالمية.
الاقتصاد العالمي .. التوترات الجيوسياسية
أشار المركز إلى أن التجارة العالمية تشهد خلال عام 2025 “مرحلة شديدة التقلب” بفعل تصاعد النزعات الحمائية، وتزايد التوترات الجيوسياسية، وتبدل التحالفات التجارية. هذه العوامل أفرزت تحديات مباشرة وغير مباشرة على النظام التجاري العالمي.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة “فيتش” في 10 يوليو الجاري، فإن السياسات الجديدة في مجال التجارة والاستثمار خلال الأسبوع الأول من الشهر تُؤكد استمرار القيود على التجارة العالمية. ويأتي ذلك في ظل سعي الحكومات لحماية الصناعات المحلية وسط تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. لدعم إعادة توطين الصناعات، تُوجِّه الحكومات بشكل متزايد المساعدات المالية لتعزيز القدرة التنافسية للقطاعات الاستراتيجية. في المقابل، يُلاحظ تخفيف تدريجي وانتقائي لبعض الحواجز التجارية، لاسيما في الصناعات الاستهلاكية، بما يعكس سعيًا لموازنة التوجهات الحمائية مع الانفتاح التجاري دعمًا للدول الحليفة.
الاقتصاد العالمي .. رسوم متبادلة
خلال الأسبوع الأول من يوليو 2025، كان 75% من 12 إجراءً جديدًا واسع النطاق في السياسة الخارجية أُعلن عنها عالميًّا تقيد التجارة العالمية، حيث تفرض تلك الإجراءات حواجز إضافية وتقيد الوصول إلى الأسواق. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية والهند الأكثر نشاطًا في هذا الصدد، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
ولفت تقرير الاقتصاد العالمي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت نهجًا ثنائيًا، حيث خففت قيود تصدير أشباه الموصلات للصين، وفي المقابل فرضت رسومًا جمركية مرتفعة على أسواق آسيوية وأوروبية وإفريقية، استعدادًا لتطبيق رسوم متبادلة اعتبارًا من 1 أغسطس 2025. ومن ضمن هذه الإجراءات، فرضت واشنطن رسومًا بنسبة 50% على النحاس بموجب المادة 232 لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 يوليو الجاري فرض رسوم جمركية بنسبة 35% على واردات من كندا، مع التهديد برفعها على معظم الدول الأخرى لتتراوح بين 15% و20%، مبررًا ذلك بأن كندا تفرض حواجز تؤدي إلى عجز تجاري غير عادل. وفي تطور أكثر حدة، أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” إلى فرض ترامب رسومًا بنسبة 50% على السلع البرازيلية، مما أدى لانهيار الريال البرازيلي وتراجع سوق الأسهم هناك، وسط تهديدات بفتح تحقيق تجاري ضد البرازيل. ردًا على ذلك، رفض الرئيس البرازيلي الحالي “لولا دا سيلفا” الضغوط وتوعد برد مماثل بموجب قانون المعاملة بالمثل.
تداعيات دولية على التجارة والاقتصاد
على صعيد آخر، أعلنت الهند في 3 يوليو 2025 عن نيتها تعليق بعض التنازلات الممنوحة للولايات المتحدة بموجب اتفاقية الضمانات في منظمة التجارة العالمية ردًا على استمرار فرض رسوم على سيارات الركاب الهندية. كما دخلت الصين والاتحاد الأوروبي في دوامة من القيود والردود المماثلة.
وأشارت “الإيكونومست” إلى أن الأسواق المالية لم تتأثر بشكل كبير بالتهديدات الأخيرة بفرض رسوم جمركية متبادلة على 14 دولة، مما أثار تساؤلات حول أسباب هذا الهدوء. إلا أن البيانات تشير إلى أن هذه السياسات بدأت تُحدث ضررًا ملموسًا على الاقتصاد الأمريكي، حيث تباطأت وتيرة الاستهلاك والمبيعات، ومن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال العام الجاري إلى نصف مستواه المسجل في عام 2024.
ووفقًا لـالبنك الدولي، فإن التجارة العالمية التي بدأت بقوة مع بداية 2025، تشهد الآن تباطؤًا حادًا، ويتوقع أن ينخفض نمو التجارة من 3.4% في 2024 إلى 1.8% في 2025. وأرجع البنك هذا التباطؤ إلى الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية، واضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع مستوى عدم اليقين بشأن السياسات.
أما الأونكتاد، فقد أشار في تقرير له إلى أن التجارة العالمية شهدت نموًا معتدلًا في الربع الأول من عام 2025 بنسبة 1.5% ربع سنويًا و3.5% سنويًا، مدفوعة بنمو الخدمات. وتظل التقديرات إيجابية للربع الثاني، لكن استمرار النمو في النصف الثاني يعتمد على وضوح السياسات العالمية والتطورات الجيوسياسية.
تُكشف الرؤى الصادرة عن المؤسسات الدولية أن التجارة العالمية تقف عند مفترق طرق، حيث تتصاعد النزعة الأحادية والصفقات الثنائية. ومن المؤكد أن الأضرار ستظهر تباعًا، وقد يؤدي التآكل التدريجي للنمو إلى تقويض استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي على المدى البعيد، مما يتطلب إعادة صياغة للتحالفات وقواعد اللعبة الدولية.
إقرأ أيضا: البنك المركزي الأوروبي يدق ناقوس الخطر: مخاطر عالمية تتجاوز الرسوم الجمركية لترامب