انطلقت مؤخرًا فعاليات الدورة التاسعة من برنامج “إقامة مساحة” التابع لـ معهد مسك للفنون، مستكشفة الدور المحوري للتعبير الإبداعي في إحداث التغيير والتحول.
يركز البرنامج على كيفية قدرة الفن والإبداع على تغيير نظرتنا للعالم المتغير من حولنا، مع التأكيد على أهمية بناء علاقات أصيلة بين مختلف أطياف المجتمع. ويسلط الضوء على كيف يمكن للحوار المثمر أن يعمق فهمنا للآخرين، سواء كان ذلك عبر الفن البصري، الحوارات الجماعية، أو أي شكل إبداعي آخر.
“عندما يثار الطين”: الفن يلتقي التراث المعماري
قدمت الفنانة سارة الجهني من ينبع النخل أعمالها الفنية المؤثرة ضمن الدورة التاسعة لـ “إقامة مساحة”. مشروعها، الذي يحمل عنوان “عندما يثار الطين“، يستلهم فكرته من خبرتها العميقة في ترميم البيوت الطينية التقليدية.
أوضحت الجهني سبب اختيارها لهذا الاسم قائلة: “السبب في اختياري لهذا الاسم هو خلفيتي في بناء وترميم البيوت التقليدية بالطين.” وتبرز الجهني في عملها مشاريع الترميم التي أنجزتها في مدينة العلا القديمة وقصر في الرياض، لتربط فنها بـالتراث المعماري الغني للمملكة العربية السعودية. يدمج عملها الهياكل المادية مع السرديات العاطفية، مقدمة رؤية فنية فريدة تتجاوز مجرد الشكل المادي.
الجدران المتبقية ضد التآكل والمطر: فلسفة الترميم والعلاقات الأسرية
يعكس فن الجهني فلسفات ترميم متنوعة، والتي تقارنها بديناميكيات العلاقات الأسرية. تشير إلى أن “أحد التوجهات يقول إننا نهدم ونعيد بناء البيت الطيني بالكامل لزيادة قوته،” واصفة بذلك مدرسة فكرية تعطي الأولوية للمتانة والقوة الكاملة.
على النقيض من ذلك، يركز نهج آخر على الحفاظ على الأصالة، مع الإبقاء على آثار الهيكل الأصلي، موضحة: “نحن نحافظ على ما هو موجود، وندعم الجدران المتبقية ضد التآكل والمطر.” أما المنظور الثالث فيمزج ببراعة بين القديم والجديد، مبرزًا التناقضات والتناغم المحتمل بينهما. ترى الجهني أن هذه الأساليب المتنوعة في الترميم تعكس تعقيد العلاقات الأسرية، حيث يتكيف المرء أو يحافظ على الروابط أو يتخلى عنها أحيانًا من أجل النمو الشخصي أو الجماعي.
صياغة القيادة الأنثوية: سقف البيت برؤية أنثوية
يزين استوديو سارة الجهني بالطين والإطارات الذهبية من بن قاسم، مجسدًا رؤيتها المبتكرة. تقول: “أخذت إطارات قديمة مكسورة وأعدت كتابة قصتها على سقفي الجديد،” في رمز قوي للتجديد والقدرة على إعادة تشكيل الروايات القديمة. تتحدى أعمال الجهني المثل القائل “الأب هو سقف البيت.” وتوضح: “السقف يوزع الأحمال على الجدران؛ والجدار المنهار يزيد الضغط على الآخرين.” تؤكد هذا التشبيه على الأدوار المتكاملة للوالدين في تحقيق التوازن بين نقاط القوة في الأسرة.
من خلال بناء سقفها بجماليات أنثوية، تدعو الجهني النساء إلى تبني القيادة بطريقة فريدة، قائلة: “أنا أقول للمرأة أن تكمل الجزء المفقود من العائلة، لكن لا تتحولي إلى رجل.” يعيد تركيب الجهني في مساحة الإقامة الفنية تعريف المفاهيم التقليدية من خلال عدسة أنثوية قوية، مما يمزج ببراعة بين التراث والحداثة. يتردد صدى تكاملها المدروس بين الهندسة المعمارية وديناميكيات الأسرة بعمق لدى الجماهير السعودية.
وتؤكد الجهني: “اخترت بناء سقفي بطريقة أنثوية للغاية تشبه سارة الجهني،” مؤكدة على فرديتها وتوقيعها الفني الخاص. يدعو عملها المشاهدين إلى التأمل في مفاهيم الحفاظ، التغيير، والقيادة، مما يعزز دورها كفنانة رائدة ومؤثرة في الفن السعودي المعاصر.
إقرأ أيضا: “منشآت” تختتم أسبوع القطاع التعاوني.. قدم 450 جلسة استشارية لدعم رواد الأعمال