أطلقت وزارة الطاقة السعودية رسمياً منافسات ضخمة لتأهيل الشركات المحلية والعالمية للحصول على تراخيص توزيع الغاز الطبيعي، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
هذه المنافسات تستهدف تمكين القطاع الخاص من إنشاء وتملك وتشغيل شبكات توزيع الغاز في خمس مدن صناعية رئيسية، مما يُعد نقطة تحول في مسار كفاءة الطاقة في المملكة.
القرار الحكومي، الذي يمثل دفعة قوية لـ “برنامج إنهاء الاعتماد على الوقود السائل”، يركز على إحلال الغاز الطبيعي محل الوقود التقليدي في القطاع الصناعي، وهو ما يضمن تحسين الأداء الاقتصادي والبيئي في آن واحد.
الغاز الطبيعي والمدن الصناعية المستهدفة
تُعد المدن الخمس المستهدفة شرياناً حيوياً للاقتصاد السعودي، حيث تضم الآلاف من المصانع والمنشآت التي تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة. وتشمل المنافسات تزويد هذه التجمعات الصناعية بالغاز الطبيعي عبر شبكات توزيع متطورة:
- مدينة سدير للصناعة والأعمال: إحدى المدن الصناعية الصاعدة التي تستقطب استثمارات نوعية.
- المدينة الصناعية في الخرج: موقع استراتيجي لدعم الأنشطة اللوجستية والزراعية.
- المدن الصناعية الثلاث في جدة (الأولى، والثانية، والثالثة): وهي مراكز ثقل صناعية وتجارية في المنطقة الغربية للمملكة.
هذا التوسع في شبكة التوزيع سيضمن أن تكون هذه المدن مستعدة للتحول الكامل إلى الغاز الطبيعي، مما يعزز من جاذبيتها الاستثمارية ويرفع من كفاءة معامل الإنتاج فيها.
الغاز الطبيعي : إطار تنظيمي واضح وموعد نهائي للتأهيل
أكدت وزارة الطاقة على أن العملية ستتم وفقاً لأعلى معايير الشفافية والمساءلة. وقد تم تحديد 29 نوفمبر المقبل كـ آخر موعد لاستقبال وثائق التأهيل من الشركات الراغبة في دخول المنافسة.
بعد انتهاء هذه المرحلة، سيتم دعوة الشركات التي تستوفي الشروط والمعايير المحددة لتقديم عروضها الفنية والمالية. وستخضع جميع الإجراءات لأحكام نظام إمدادات الطاقة ولائحة أنشطة الغاز الطبيعي وسوائله، مما يضمن بيئة تنظيمية مستقرة وعادلة لجميع المستثمرين.
الغاز الطبيعي : التزامن مع التوسعة الثالثة لشبكة الغاز الرئيسية
تأتي هذه المنافسات في توقيت بالغ الأهمية، حيث تتزامن مع المضي قدماً في مشروع التوسعة الثالثة لشبكة الغاز الرئيسية في المملكة. ويُعد هذا التزامن محورياً لنجاح المبادرة، إذ أن توسعة الشبكة المركزية هي التي ستضمن توفر كميات كافية ومستدامة من الغاز لتغذية شبكات التوزيع الجديدة التي سيتم إنشاؤها في المدن الخمس.
إن تحقيق هذا الترابط بين التوسع الحكومي في البنية التحتية الرئيسية وفتح المجال للقطاع الخاص في التوزيع يُرسخ نموذجاً مثالياً للشراكة بين القطاعين العام والخاص في ملفات الطاقة الحيوية.
الأثر الاقتصادي والبيئي: خفض التكاليف وتحقيق “الرؤية”
التحول إلى الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة في الصناعات له فوائد اقتصادية وبيئية واسعة النطاق:
- تحسين الكفاءة التشغيلية: يُعد الغاز الطبيعي وقوداً أكثر نظافة وأقل تكلفة تشغيلية من الوقود السائل (المازوت أو الديزل). هذا التحول سيؤدي إلى خفض التكاليف الإنتاجية بشكل ملموس في المصانع القائمة في المدن الصناعية المستهدفة، مما يعزز من قدرتها التنافسية محلياً وعالمياً.
- دعم التنمية المستدامة: يساهم إحلال الغاز في تقليل الانبعاثات الكربونية والملوثات في المراكز الصناعية، مما يدعم الأهداف البيئية للمملكة ويحسن جودة الهواء في المناطق الحضرية المحيطة، خاصة في مدينة جدة المكتظة بالسكان.
باختصار، هذه المنافسات لا تمثل مجرد منح تراخيص، بل هي جزء من استراتيجية متكاملة لـ تحويل قطاع الطاقة في المملكة، وفتح الباب أمام استثمارات جديدة تقدر بمليارات الريالات، مما يعكس التزام السعودية بتنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية وفقاً لأهداف رؤية 2030.
كيف ستؤثر هذه التراخيص الخمسة الجديدة على تكلفة الإنتاج الصناعي في المدن المستهدفة مقارنة باستخدام الوقود السائل؟
من المتوقع أن يترجم التحول إلى الغاز الطبيعي، كوقود صناعي، إلى انخفاض كبير في تكاليف الإنتاج الصناعي في المدن المستهدفة. فالغاز الطبيعي يتميز بـ كفاءة احتراق أعلى، وعادة ما يكون سعره أقل استقراراً وأكثر تنافسية مقارنة بالوقود السائل الذي ترتبط أسعاره بتقلبات سوق النفط العالمية وتكاليف النقل والتخزين المرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الغاز الطبيعي يقلل من تكاليف الصيانة الدورية للمعدات الصناعية نظراً لنظافته، وهو ما يمنح المصانع ميزة تنافسية حقيقية ويدعم هامش ربحها.
إقرأ أيضا: أمير المنطقة الشرقية يُدشن 122 مشروعاً بيئياً ومائياً وزراعياً بـ 28.8 مليار ريال